نزيف الحدود الباردة : بقلم عبد الرازق أحمد الشاعر

نزيف الحدود الباردة

image1.JPG

عند الحدود الشائكة، عليك أن تتوضأ للصلاة مرتين: بالماء الطهور مرة،وبالأحمر اللزج أخرى. ولأن العيون المتربصة بطهرك لن تتركك تمر منباب الفضيلة مرتين، فلن يكون بإمكانك أن تتحامل على ذراع طفلك لتعودإلى فراشك الدافئ فتمارس حقك الوجودي في البقاء على هامش الحياة.قدرك أيها السيناوي البائس أن تعيش فوق اللهب حتى الانفجار أو الانشطارأو الغليان. قدرك أن تقتل في أي مكان ولو كنت فوق أخشاب المنابر، ولنتغفر لك جبهتك الوضيئة، ولا ماء الطهر الذي ينز من لحيتك ويسيل فوقجلبابك الأبيض، لأن القادمين من خلف أسلاك الكراهية لا يحملون قلباكقلبك، ولا كتابا ككتابك. فأنت الإنسان الأخير في غابة تزداد وحشية كليوم، وتزداد ضيقا كل صباح.

هل كنت تدرك وأنت تمد خطاك نحو لحدك القريب أنك ستشارك بالنزيفحتى الموت في مهرجان الموت للجميع الذي أعده لك القادمون من كل فخعميق؟ هل كنت تعلم وأنت تسابق طفلك نحو النهاية أنك لن ترى عيناهتومضان، وأنك لن تتمكن من حمله بين يديك مضرجا بالبراءة إلى أمهالبائسة؟ ترى، بأي الأذكار كنت تتمتم وأنت تنظر إلى مئذنة الروضةوالسماء المفروشة بالسحب على جانبيها؟ وماذا قلت لطفلك يا ترى، وأنتتحتضنه بين ذراعيك قبل أن تغمضا أجفانكما إلى الأبد؟ 

كيف مر ذلكم المساء عليك أيتها السيناوية التعسة؟ وكيف تلقيت خبر نزوحرجال قريتك إلى الفضاء البعيد؟ وكيف واتتك الشجاعة لتحملي كل تلكالأكوام من اللحم الممزق بين ذراعيك، وكأن موتا لم يكن؟ هل تخيلت وأنتتمشطين شعر وليدك، وتلبسينه البياض وتودعينه نحو الباب أنه لن يتمكنمن سماع الخطبة حتى النهاية، وأنه لن يركض عائدا ليقص عليك ما قالهشيخ الجامع كعادته؟ وأنه لن يبقى لك من ممتلكاته الأخيرة غير الحذاء؟ 

كيف احتملت “الروضة” كل هذا البياض في عرس لم تستعد له؟ وكيفاستقبلت رجالها عند عودتهم في موكب حزن أليم عند خاصرتها الباردة؟ منيزرع الموالح اليوم، ومن يجمع التين والزيتون؟ ومن يكدس الملح فيالأكياس الفارغة، ومن يرفعه فوق الشاحنات التي طال وقوفها فوق الأرصفةالباردة؟ ومن يحتمل كل هذا الحزن وكل هذى الدماء؟ 

مشهد حزين لم يستغرق إلا ثوان معدودات، خلف دهرا من البؤس في قريةكانت آمنة يأتيها رزقها رغدا من زبد البحر. وعلى يد ثلة من أسافل القوم.وبين إغماضة عين وانتباهتها، تكومت الأجساد الطاهرة بعضها فوق بعضفي مشهد مأساوي حزين، لتذكر الخليفة الذي جاء إلى الأرض ليفسد فيهاويسفك الدماء، أن هناك من يسبح بحمد الله ويقدس له، وأن من المؤمنينرجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه حتى النزع الأخير. 

لم يكن باروخ جولدشتاين الطبيب اليهودي الموتور أشد قسوة مع المصلينفي الخليل عام 1994، ولم تكن رصاصاته أشد فتكا، كما لم يقتل التعس منالمتوضئين ربع هذا العدد ولا ثمنه، لكنه كان يحمل العصيان ذاته، والفسقذاته، والكفر نفسه. فملة الكفر واحدة حتى وإن اتشحت بالرايات السوداء،وحاملو الأسلحة نحو الصدور المطمئنة متشابهون وإن كبروا وهللواوقصروا الثياب وطلقوا اللحى.

الرحمة واجبة لمن رحل والثأر واجب على من بقى .. ولله العزة ولرسولهوللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون.

عبد الرازق أحمد الشاعر

[email protected] 

Related posts

Leave a Comment